الجمعة، 15 نوفمبر 2013

ما صفات خوارج العصر كلاب أهل النار للشيخ/ فوزى محمد أبو زيد

خطب الجمعة

الحلول النبوية لحل المشاكل البشرية



الحمد لله رب العالمين
 أكرمنا بالإيمان والتقى ودين الإسلام وجعلنا من عباده المسلمين. سبحانه سبحانه .. لا يهدي لهذا الدين إلا مَنْ أحبَّه، ولا يوفِّقُ أهل هذا الدين - إذا صدقوا النيَّة - إلا لما يُحِبُّه ويرضاه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، قلوب العباد بيده يقلِّبها كيف شاء، (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (8آل عمران)، اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع قلوب عبادك المؤمنين في هذا البلد على كلمة سواء، ووفِّقهم للعمل على إحياء الشريعة الغراء، والاقتداء بهدي سيِّد الرسل والأنبياء، واقض على المنافقين والمشاحنين وجميع الفرقاء يا أكرم الأكرمين.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أقام الله عزَّ وجلَّ به الملَّة السَّمْحَاء، وأحيا به الشريعة البيضاء، وألف به بين القلوب المتنافرة، وجعل العرب بفضل الانتماء لدينه وإتباع هديه يتغلبون على القياصرة والأكاسرة.
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي هديتنا به بعد ضلالة، وعلمتنا به بعد جهالة، وجمعتنا به بعد فرقة، وأعززتنا به بعد ذلة. صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وكل مَنْ مشى على هديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين يا رب العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين: هل من روشتة ربانية نبوية لما نحن فيه الآن، تجمع الشمل وتوحد الصف، وتجعلنا جميعًا نعمل بقول الله: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ (103آل عمران)؟ ما سبب الفرقة التي نحن فيها الآن؟ وكيف الخلاص منها في بيان النَّبِيِّ العدنان صلى الله عليه وسلم؟
نظر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعين قلبه النورانية التي زكَّاها في قرآنه ربُّ البرية وقال له قل لهم: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (108يوسف)، نظر إلى ما نحن فيه الآن من أهواء وتنافسات وخلافات، وتشتت في الرأي، وعدم التزام الأدب في الحوار، وأصبحنا مع أننا أمة واحدة - ربُّنا واحد، وكتابنا واحد، وديننا واحد، ونبيُّنا واحد - أصبحنا مفترقين، والكُلُّ يظنُّ أنه على الحقِّ، بل ويتجاوز قدره، وربما يُخَطِّئُ أخاه في الله، وربما يسبُّه بما لا يرضاه الله، وربما يتكلم في حقِّه بطريقة نَهى عنها رسول الله، بل ربما يتعدى ذلك فينسبه إلى الكفر - والعياذ بالله - مع أن الحكم في كل ذلك ليس لأحد من الخلق (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه) (40يوسف).
نَظَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليصف لنا الداء فنتجنَّبه، ونأخذ من كتاب الله الشفاء فنرجع أخوة أودَّاء أصدقاء، ونتوحَّد أمام الأعداء الذين (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (8الصف). فقال صلى الله عليه وسلم مشخِّصاً سبب الدَّاء الذي نحن فيه - داء الفرقة، داء التنافس في الفانيات، داء الصراع على المناصب الفانية، داء التحزُّب الذي نَهى عنه الله في كلماته الباقية، وقال صلى الله عليه وسلم:
{يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت} (رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه).
لِمَ الخلاف ونحن أخوة متآلفين؟!! من أجل مناصب فانية!! من أجل شهوات دنيوية في المال وغيره دانية!! وهل هذا الذي ربَّانا عليه الإسلام؟!! وهل هذا الذي كان عليه أصحاب النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام؟!! كلاَّ والله يا إخواني، إنَّهم كانوا أحرص ما يكونوا على إخوتِهم في الله!!
يتحدث أبو بكر - ومن هو أبو بكر؟ الذي يقول فيه النبيُّ: {لو وزن إيمان هذه الأمة بإيمان أبي بكر لرجحت كفة أبو بكر} (أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وإسحاق بن راهويه في مسنده، والإمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة. وأخرجه ابن عدي في الكامل مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:" لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم") - يتحدث مع نفرٍ من الفقراء في مسجد رسول الله عن أبي سفيان بن حرب بعدما أسلم فقالوا له: إن سيوف الله لم تأخذ مأخذها من عدو الله، فقال أبو بكر: لا تقولوا هذا لشيخ قريش. ليس في حديثهم سبٌّ ولا شتم، وليس في حديثه وردِّه تزيُّد في الرد!!
ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحكى له ما دار - لأنه قلبٌّ حيٌّ متعلق بالحيِّ عزَّ وجلَّ، خشي أن يكون أساء إلى إخوانه فقراء المسلمين - فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر إياك أن تكون أغضبتهم فإن الله عزَّ وجلَّ يغضب لغضبهم) فذهب إليهم الصديق مستعطفًا وقال: يا أخوتاه أأغضبتكم؟ قالوا: لا يا أبا بكر وعفا الله عزَّ وجلَّ عنك.
دين بلغ فيه أن الله يقول لحبيبه ومصطفاه الذي اختاره لرسالته، وأمره بتبليغ شريعته، وأيَّده بعصمته، يقول له: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (28الكهف). كان صلى الله عليه وسلم إذا جالسهم لم يقم من بينهم إلاَّ إذا قالوا له: قد أذنا لك يا رسول الله فاذهب حيث شئت. وإذا صافح أحدهم لم يكن يسحب يده من يده حتى يترك المصافح يده. وإذا احتاجوا إليه في أمر يرسلون إليه الطفل الصغير فيأخذه من يده، ولا يسأله النبي إلى أين!! ولا من الذي أرسلك!! لأنه صلى الله عليه وسلم كما قال فيه ربُّه: (حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (128التوبة).
ألَّف بينهم على هذا الأساس القرآني، وعلى هذا الهدي النبوي. أخرج الدنيا من قلوبهم فلم تكن الدنيا أكبر همِّهم ولا مبلغ علمهم. لم يكونوا طلاب رياسات، ولا راغبين في جمع الدنيا بأي كيفية وأي وسيلة، وإنما كانت رغباتُهم أن يبلِّغوا رسالات الله، وأن يساعدوه في نشر دين الله، ونذروا أنفسهم للدعوة الإسلامية طلباً لمرضاة الله، لا يرجون من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً، وإنما يرجون من وراء ذلك عند الله عزَّ وجلَّ جنة عالية ونوراً وسروراً، وفضلاً كبيرا يوم لقاءه عزَّ وجلَّ في دار جنانه ودار رضوانه. الدنيا يقول فيها النبيُّ: {حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ} (أخرجه بن أبي الدنيا مرسلاً عن الحسن البصري). لو نُزع حبُّ الدنيا من قلوبنا لغلَّقتْ المحاكم أبوابَها، لَمْ نَرَ متنافسين ولا متصارعين، ولا متحاسدين ولا متحاقدين، بل الكل سيسلِّم تسليماً كاملاً لشرع الله، وما يحكم به الله، وما يحكم به العدول في الأمة من رجال الله العلماء العاملين الذين يرجون الحقَّ، ويحكمون بالحقِّ طلباً لمرضاة رب العالمين عزَّ وجلَّ.
حبُّ الدنيا هو سرُّ كل ما نحن فيه. والمخرج؟! لا مخرج لنا إلا إذا أخلصنا العمل لله، فكانت كل أعمالنا، وكل حركاتنا وكل سكناتنا، وكل أقوالنا وكل أفعالنا، ننوي بها وجه الله. لا نقول قولاً لإرضاء فلان ونحن نعلم أنه على غير الحق، لأن هذا يخالف صريح الدين؛ الدين النصيحة. لا أرى متخاصمَين أمامي ثم أُدْعَى إلى الشهادة فأقول: لَمْ أَرَ، مع أنني رأيت وأُنكر الشهادة وأُكتمها!! (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (283البقرة)، حتى ولو كانت الخصومة بين أخي وأبي وغيره من المسلمين، فقد قال الله عزَّ وجلَّ في شأن المسلمين السابقين والمعاصرين واللاحقين: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (143البقرة).
جعل الله هذه الأمة شهوداً على الأنبياء السابقين وأممهم لأنها أمة العدالة، أمة إحقاق الحقِّ، أمة يقول فيها الحقُّ في سرِّ اجتبائها على سائر الأمم وخيريتها على سائر الأنام: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، لماذا يا ربّ؟! ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (110آل عمران) . جعل الإيمان بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!! مع أن مقتضى كلامنا مع بعضنا يقتضي أن يسبق الإيمان، لكن كلام الله لحكمة يعلمها مُنَزَلُ القرآن عزَّ وجلَّ، أمة تقول الحقَّ، وتظهر الحقَّ، وتعمل لوجه الله، لا تريد في أي عمل إلاَّ وجه الله، إذا كان قائدًا أو جندياً فهو يعمل لله، إذا كان خادمًا أو رئيسًا فهو يعمل لله.
جاء عمرو بن العاص وخالد بن الوليد بعد صلح الحديبية مُعلنين إسلامهم، فأصدر النبيُّ صلى الله عليه وسلم قرارًا نبويًّا أن يتولى عمرو بن العاص قيادة إحدى الغزوات تسمى غزوة ذات السلاسل، وكان من جنده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. أيُّ رجال هؤلاء؟!! ماتت شهوات نفوسهم ولم يعد يريدون إلا وجه الله عزَّ وجلَّ، وسمى خالد بن الوليد: (سيف الله المسلول)، وقاد خالد أكثر من مائة معركة حربية انتصر فيها جميعًا.
وفي إحدى المعارك مع الروم - وهي معركة اليرموك - وكان المسلمون حوالي أربعين ألفًا والروم حوالي أربعمائة ألف، جاء خطاب العزل من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبو عبيدة بن الجراح أن يتولى قيادة الجند ويعزل خالد ويجرد خالد من جميع رتبه ويرجع جنديًا عاديًا، انظر إلى الرجال قال فيهم الله: (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (23الأحزاب).
جاء رجل لخالد وقال: يا خالد أرضيت بهذا الأمر؟ قال: نعم، قال: إن كنت رضيت بهذا الأمر فإنا لن نرضى، وإن خلفي مائة ألف سيف ينتصرون لك إن رفضت هذا الأمر، قال: بئس ما أشرت عليَّ به يا أخي، فأنا أقاتل لله، إن كنت قائدًا أقاتل لله، وإن كنت جنديًّا أقاتل لله، فلا يهمُّني هذا ولا ذاك.
هؤلاء الرجال الذين أخرجهم الله من ظلمات الدنيا وشهواتها إلى نور الإيمان وجعلهم في معية النبي العدنان، ما أحوجنا إليهم في هذا الزمان!! رجال يقول فيهم الرحمن: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) (54المائدة). ما وصفهم؟ الإخلاص لله، لا ينطق فمه بكلمة إلا إذا تحقق أنها لوجه الله، ولا تتحرك جوارحه بحركة - إن كان في عيادة مريض، أو لتشييع جنازة، أو لقضاء مصلحة لمؤمن، أو لقضاء مصلحة للمجتمع، أو لأي عمل - إلا إذا أخلص النيَّة فيها لله، وكان يبغي بها وجه الله عزَّ وجلَّ.
لو توحَّدت النوايا، وصفت الطوايا، واتجهنا جميعًا إلى الله، وكانت أعمالنا لله، وأقوالنا لله، وحركاتنا وسكناتنا لله، لا لدنيا ولا لمظاهر، ولا لشهرة ولا رياء، ولا لسمعة، ولا لمناصب ولا لمكاسب، في هذا الوقت لن يكون بين المسلمين خلافٌ ولا اختلاف، وإنما سيكونون جميعًا رجلاً واحدًا؛ لأن النية كلها لوجه الله.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوحِّد جمعنا، وأن يلمَّ صفوفنا، وأن يجعل نياتنا كلها لوجهه عزَّ وجلَّ قال صلى الله عليه وسلم:
{طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء} (رواه ابن أبي الدنيا عن ثوبان رضي الله عنه)، وتمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم، وهم منها في عافية، يعيشون في عافية، ويموتون في عافية، ويحشرون يوم القيامة في جنة عالية.
وقال صلى الله عليه وسلم : (التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) (الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الذي أحيانا بنور الإيمان وجعلنا من عباده المؤمنين، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يثبتنا على ذلك حتى يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحقُّ الحقَّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين.
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد واجعلنا في هذه الحياة الدنيا على شرعه مجتمعين، وعلى العمل بسنته مؤتلفين، وانزع الخلاف والإتلاف من نفوسنا ونفوس إخواننا المسلمين أجمعين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين
إن أوجب الواجبات على كل مسلم في هذا الوقت العصيب: الحرص على وحدة الشمل، على جمع الصف، على عدم الفُرقة بين المسلمين، على عدم إثارة الخلافات والمنازعات بين الموحدين، أن نكون كما قال الله عزَّ وجلَّ في ألسنتنا أجمعين: ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ (24الحج)
لا نقول لإخواننا إلا خيراً، ولا نقول في حقِّهم إلا برًّا، لا نغتاب أحداً من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله عظيم، ولا نحقر واحداً من المؤمنين فربما يكون له شأن كبير عند أكرم الأكرمين، لأنه يقول في قرآنه: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (13الحجرات)
نظن بإخواننا المؤمنين أجمعين الخير كل الخير، لأن الله عزَّ وجلَّ لم يطلعنا على قلوبهم، والأعمال بالنيَّات، والمكافأة عند الله بالسرائر الطيبات، وما دمنا لم نطلع على الأسرار فكيف نحكم على إنسان لم نَرَ معاصيه أنه من الأشرار، أو بأنه من الفجار؟! لسانه ينطق بالتوحيد وأحكم عليه أنه من الكفار!! لا يليق هذا بأي مسلم يؤمن بالله ويتابع حبيب الله ومصطفاه.
كفُّوا عن التنفير، واجمعوا المسلمين، وليكن لنا أسوة في الرحمة العظمى للخلق أجمعين، يجب أن يكون المسلمين فيما بينهم متراحمين، فإن الله عزَّ وجلَّ يجيب كل دعاء إلا نزول الرحمة، كيف تنزل الرحمة من الله علينا؟ قال صلى الله عليه وسلم في ذلك: {ارْحَمُوا مَنْ فِي الأرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}(سنن الترمذي والبيهقي)
نحن في حاجة إلى صحوة أخلاقية، فالحمد لله كلُّنا يؤدي العبادات، لكن نحتاج إلى صحوة أخلاقية تطابق فيها أخلاقنا أخلاق كتاب الله وأخلاق حبيب الله ومصطفاه، حتى نكون محسنين إلى هذا الدين، ونحسن عَرْضَه على العالم أجمع، فإننا نعرض الإسلام على غيرنا بأخلاقنا، وليس بصلاتنا وصيامنا وعباداتنا، فصلاتنا وصيامنا وعباداتنا بيننا وبين الله، لكن الخلق ينظرون إلينا الآن، فقد تفرق جمعنا، وقد أخذنا نسبُّ في بعضنا، ونشتم كبارنا ولا نرحم صغارنا، والكل يتوعد أخيه، والكل يجهز السلاح، ويستعد للضغط على الزناد ليميت أخاه، وكأن هذا جهاد لليهود، وكأن هذا جهاد للكافرين!! أصبح الجهاد بين المسلمين والمسلمين!! بين المؤمنين والمؤمنين!! لا أتصور كيف لقلب خالط بشاشة الإيمان تطاوعه يده أن يمسك سكيناً فيضرب به أهل الإيمان؟!! أو يدوس على زناد فيقتل رجلاً يصلي لربِّ العالمين، بحجة أنه على خلاف فيما بينه وبينه؟!!
أي خلاف هذا؟!! خلاف سياسي؟!! خلاف حتى ولو كان شرعي؟!! يجب أن تحتكم إلى من فوقك من الفقهاء، وتذهبا سويًّا إلى من هو أعلى منكما من العلماء. لكن ما هكذا أمرنا الله ولا طلب منا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم في المؤمن إذا سابَّ أخاه ورد عليه: {الْمُسْتَبَّانِ شَيْطَانَانِ، يَتَهَاذَيَانِ وَيَتَكَاذَبَانِ} (مسند الإمام أحمد عن عياض بن حمار).
وقال في المؤمنين إذا رفع أحدهما السلاح على أخيه: {إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ}
لا ينبغي حتى لمسلم أن يقول كلمة لأخيه المؤمن يؤذيه بها، أو يعيِّبُه بين الخلق بها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَشَاعَ عَلَى امْرِئٍ مُسْلِمٍ كَلِمَةَ بَاطِلٍ لِيُشِينَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُذِيبَهُ بِهَا مِنَ النَّارِ حَتَّى يَأْتِيَ بِنَفَاذِهَا} (الطبراني والجامع في الحديث لابن وهب عن أبي الدرداء رضي الله عنه)
لأنه يقول كلمة يعلم علم اليقين أن أخاه بريء منها، ولكنها تُهمة فاشية دفعته إليها النفس الإبليسية من أجل أن يسيء إلى أخيه بين الخلق، أو يشنع عليه بين الناس. بئس هذه الصفات، وبئس هذه الأخلاق، فإن المؤمنين يقول فيهم سيد الأولين والآخرين: {مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى} (البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما)
نريد أن ترجع بيننا الألفة والمودَّة، أن تمتلئ قلوبنا بالحبِّ لجميع الأحبة، أن تكون نياتنا كلها خالصة ومخلصة لله عزَّ وجلَّ، حتى يزيح الله عنا هذه الغمَّة، ويجمع شملنا، ولا يُشمت الكافرين واليهود ومن عاونهم فينا، ويجعلنا في خير حال.
اللهم ألِّفْ بين قلوب عبادك المؤمنين. اللهم خُذْ على ناصية الكافرين والفاسقين والمتآمرين على هذا البلد أجمعين يا أحكم العادلين.
اللهم وحِّد جمعنا، اللهم قوِّ حبَّنا في بعضنا، اللهم أزل الشحناء والبغضاء والتنافس في الفاني من صدورنا.
اللهم اجعل همَّنا أجمعين في رضاك، وارزقنا الإخلاص في النوايا، والصدق في الأقوال، وإتباع النبيَّ وشرعه في الأعمال، واحفظنا من الخلاف والاختلاف في كل الأحوال يا ربَّ العالمين.
اللهم أصلح شئوننا، حكامًا ومحكومين، رؤساء ومرءوسين، رجالاً ونساءً، أطفالاً وشِيبًا، واجعلنا دائمًا وأبدًا في ألفة ووئام يا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات يا ربَّ العالمين.
اللهم أهلك الكافرين بالكافرين، وأوقع الظالمين في الظالمين، وأخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين آمنين، وأهل أرض مصر بلد السلام والأمن والخير والبركة إلى يوم الدين، يا أكرم الأكرمين.
عباد الله: اتقوا الله، (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).
اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة

الاثنين، 11 نوفمبر 2013

مائدة المسلم




بسم الله الرحمن الرحيم

يبدأ المسلم بغسل فمه ويديه لتنظيفها من آثار العمل والتلوث مما مسّتا من مصادر العدوى وقاية من الأمراض التي تحدث العدوى بها عن طريق الهضم كالتيفود والكوليرا ثم يبدأ ببسم الله وإذا أنساه الشيطان في البداية فليسم عندما يتذكر حتى ولو كان انتهى من الطعام فليسم في آخره فقد قال صلى الله عليه وسلم {إذا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلْـيَذْكُرِ اسمَ اللَّهِ تَعالـى فـي أوَّلِه، فإنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُرَ اسمَ اللَّهِ تعالـى فـي أوَّلِهِ فَلْـيَقُلْ: بِسمِ اللَّهِ أوَّلَهُ وآخِرَهُ}[1]

وقال صلى الله عليه وسلم { إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ}[2] 

وبعد أن يسمى الله يأكل بيمينه ويأكل بثلاث أصابع الإصبع الكبير والسبابة والإصبع الوسطى وقد قال الإمام الشافعي من أكل بإصبع واحدة فهو من المتجبّرين ومن أكل بإصبعين فهو من المتكبّرين ومن أكل بثلاث أصابع فهو من خيار المتّبعين لسيد الأولين والآخرين ومن زاد على ثلاث فهو من الشرهين

فيأكل بثلاث أصابع ويصغر اللقمة ويمضغها جيدا ولا مانع من استخدام اليدين معا للمعاونة في إصلاح الطعام ويأكل مما يليه إذا كان طعاماً عادياً فإذا كانت فاكهة يتخير مما يرى ومما أمامه لأن الطعام العادي كله سواء لكن الفاكهة ليست سواء فيتخير ما يروقه لقول الله {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} الواقعة20

على أن يراعى في أكل الفاكهة أن يأخذ وترا واحدة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة وأن يكون أكله بثلاث ألاّ يضع النوى في نفس الطبق الذي يأكل فيه الفاكهة بل يضع النّوى في طبق آخر غير الذي فيه الفاكهة لأن تلك سنة رسولكم الكريم صلوات الله وسلامة عليه فإذا كان الطعام حاراً (ساخناً) فهدينا فيه هو قول سيد الأولين الآخرين {لا تأكلوا الطعام حاراً ولا تنفخوا فيه}[3]

فلو أكلناه حارا فإنه يتعب صدورنا ويتعب رئتنا وأمزجتنا ولو نفخنا فيه فإن هواء الزفير الخارج من أفواهنا وكله كما تعلون جراثيم وميكروبات ستحل بالطعام وتلوث الطعام ولذا نهانا نبي الإسلام أن ننفخ في الطعام أو نأكله وهو حار بل نتركه حتى يبرد لأن تلك من سنة الله وتلك الحكمة العلمية والصحية التي علمها لنا الله في هذه الحالة 

فإذا كنا نأكل يأمرنا نبي الإسلام بألا نأكل صامتين بل نتكلم على أن يكون الحديث في غير مأثم كغيبة أو نميمة لأنه يحلو عند الطعام بين الزوجة وزوجها إلا الحديث عن فلانة وفلانة وماذا صنعت؟ وماذا عملت؟ فقد ورد في الأثر {تحدثوا على طعامكم ولو بثمن أسلحتكم}

ولأن الحديث يجعل للإنسان الفرصة لأن يمضغ الطعام برفق وأن يبتلعه بتؤده فلا يصاب بغصة ولا يصاب بشيء يحبس الطعام لأنه يأكل بأناه لكن عليه أن يراعى أن يكون الحديث في شيء من دين الله أو في قصص عن أصحاب رسول الله أو في شيء من سيرة الصالحين من عباد الله حتى يكون الحديث فيه أجر وفيه ثواب لهم عند الله 

فإذا جلسوا وكانوا مجتمعين يعلّم الصغار ألا يبدءوا بطعام إلا إذا بدأ الكبير أي الكبير في السن أو الكبير في المقام يبدأ هو أولا ثم يأكل الجميع 

فقد جلس صلى الله عليه وسلم وجاءت امرأة مسرعة تريد أن تضع يدها في الطعام فأمسك بها ومنعها ثم جاء رجل مسرع ويريد أن يضع يده في الطعام فأمسك به ومنعه وقال: إن هذه أرسلها الشيطان ليستحل الطعام قبل أن نسمى الله فأمسكت بيدها ومنعتها فجاء بهذا ليستحل به الطعام قبل أن نسمى الله فأمسكت بيده ومنعته ثم قال بسم الله كلوا على بركة الله فعلينا أن نعلم صغارنا ذلك

وعلى الكبير أيضا مقابل ذلك ألا يتركهم فترة طويلة والطعام أمامهم وهم صغار لا يتحملون بل يسرع في الإذن لهم بالطعام ولذلك نهى ديننا الحنيف أن يترك الرجل أولاده على مائدة الإفطار في رمضان جائعين ويقول لهم لا تأكلوا حتى أصلى المغرب وهم لا يستطيعون الصبر على ذلك 

فهذا الصنيع ليس من دين الله بل إنك إما أن تأكل معهم وتؤجل صلاة المغرب وتلك سنة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما أن تصلى المغرب أولا وتأذن لهم أن يأكلوا ولا ينتظرونك وفى كلتا الحالتين تكون قد حظيت بسنة سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه 

أيضا يدخل الرجل من العمل ويجد السفرة معدّة وأولاده جالسين ومتهيئين فيتركهم حتى يخلع ملابسه ويتوضأ ويصلى الظهر ويختم الصلاة ثم يأتي إلى الأكل بأناة وهم قد جعلهم طول الانتظار ضجرين فقد قال صلى الله عليه وسلم
{إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَالْعِشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ}[4]


أي نبدأ بتناول الطعام مادامت المائدة قد مدّت حتى لا نصلى ونحن نفكر في الطعام وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر {لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ}[5] 

كما أنه لا يجوز للزوجة أن تؤجل الصلاة حتى يدخل الزوج فيدخل متعبا ومتلهفا على الطعام فتفتح له الباب ثم تسارع إلى الوضوء وإذا حدثها تقول له تريد أن لا أصلى وهنا قد يقول لها لم جعلت الصلاة عند رجوعي؟ أو لمَ لمْ تصلِّ قبل مجيئي أو تؤجليها حتى انتهى من الطعام؟ فتلك مشاكل نصنعها بأنفسنا وهى من المتنطعين في دين الله 


[1]رواه أبو داود والترمزى والحاكم عن عائشة رضى الله عنها [2] رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن جابر رضى الله عنه [3] رواه ابن عدىّ عن عائشة رضى الله عنها [4] متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر وعائشة رضى الله عنها [5] أخرجه مسلم عن عائشة رضى الله عنها 

http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...2&id=128&cat=2

منقول من كتاب [مائدة المسلم بين الدين والعلم]
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً


آداب يجب إتباعها في تجهيز المائدة




بسم الله الرحمن الرحيم

إن ديننا الحنيف تدخل في جميع شئون حياتنا فلم يترك شاردة ولا واردة للمؤمنين إلا وعلّمها لنا الله وبينها لنا سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بين لنا كيف نمشى؟ وكيف نتكلم ونتحدث؟ وكيف ننظر؟ وكيف ننام؟ وكيف نأكل أو نشرب؟ وكيف نجلس؟ حتى في شمس الشتاء أو في شمس الصيف الحارقة فلم يترك شيء كثيراً أو قليلاً إلا وبيّنه 

والحمد لله فإن ما جاءنا به الله وما علّمه لنا سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما يدعونا إليه العلم الحديث وما ينادى به أساطين العلماء بعد طول البحث والعناء لأن الله الذي خلق هذا الجسم وسواه هو وحده الذي يعلم ما ينفعه وما يضره في هذه الحياة 

وهو الذي وضع في الآيات القرآنية كل شيء يصلح هذه الأجهزة التي صنعها الله حتى نخرج من هذه الدنيا على خير وفى خير وقد رضي عنا الله وسنتحدث عن هذه الآداب إن شاء الله بالتفاصيل حتى يعلمها أولادنا ويقومون ممثلين ومنفذين لأمر الله {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ** الحشر7

فإنما سرّ ضعفنا وتخلفنا من تركنا لهدى الإسلام واستيرادنا هدياً أقل منه في الجودة والأحكام من أمم الغرب مع ما به من عيوب لمسناها جميعا يا معشر المسلمين بعض الأخوة الأفاضل طلب منى أن أجمل الآداب الواجبة على المسلم حتى تكون مأدبته ومائدته على هدى الله وعلى منهج الله وعلى سنّة سيدنا ومولانا رسول الله وسنذكرها إجمالا لأن الوقت لا يسع التفصيل 

وسنقسمها إلى ثلاثة أقسام :

1 - آداب يجب إتباعها في تجهيز المائدة أي قبل تناول الطعام

2 - آداب يجب علينا مراعاتها عند تناول الطعام 

3 - آداب يجب علينا عملها بعد الانتهاء من الطعام 

آداب تجهيز مائدة المؤمن

ونوجزها فيما يلي :

1 - أن يكون هذا الطعام من مال حلال أحله الله

2 - أن يكون هذا الطعام مما أحله الله لنا من أصناف المأكولات فنبتعد عن المحرّمات التي نهانا عنها الله 

3 - ألاّ يكون على المائدة التي نجلس عليها وإن لم نتناوله شيء حرّمه الله كالخَمر أو البِيرة أو الهِيروين أو الكُوكايين أو ما شابه ذلك من هذه الأصناف التي حرّمها الله وكذلك الخنزير أو الميتة أو الدم فأنا حتى لو لم آكل هذه الأصناف فيجب علىّ ألا أجلس على المائدة التي توضع عليها هذه الأصناف لقول الله {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ**الأنعام68

ولقوله صلى الله عليه وسلم {مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يَقْعُدْ على مائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الخمرُ**[1] 

4 - أن أجلس إلى المائدة الجلسة النبوية فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الأكل وأنا متكأ أو نائم وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه الطعام وهو مضطجع فقالوا لم قمت يا رسول الله؟ قال {إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَشْرَبْ كَمَا يَشْرَبُ الْعَبْدُ**[2]

وتعلمون جيدا الأضرار الصحية التي تعود على من يأكل مضطجعا أو نائما

5 - أما الأدب الخامس أن نجتمع على هذا الطعام أي يجلس عليه جميع من في المنزل أو في الشقة فنجلس مجتمعين غير متفرقين فقد اشتكى إليه صلى الله عليه وسلم نفر من أصحابه أن طعامهم لا يكفيهم فقال صلى الله عليه وسلم {اجْتَمِعُوا عَلى طَعَامِكُم وَاذْكُروا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ**[3] 

فنجمع أولادنا ونأكل سويا حتى نعلمهم الأدب الواجب أن يتعلموه في تناول الطعام ولن يتسنى لنا ذلك إلا إذا جلسوا معنا وأكلنا سويا كما أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وعندما حدثت مجاعة في البادية وجاء أهل البادية يشكون إليه من القحط والمجاعة فقال لهم صلى الله عليه وسلم {إن الأشعريين إذا أصابهم القحط جمعوا ما معهم من زاد وجعلوه في مكان واحد ثم اجتمعوا عليه فأنا منهم وهم منى** [4]

أي أنه يحض ويحث على هذا العمل 

أما الآداب التي يجب علينا إتباعها أثناء الطعام وعلينا أن نعيها جيدا فإن الإتيكيت الذي جاء به نبي الإسلام خير من الذي نستورده من باريس أو لندن أو واشنطن أو غيرها من عواصم العالم لأنه هو الذي أنزله الله وارتضاه الله من خلق الله وجعله لنا عبادة ولكنه لهم عادة فأنت تتناول الطعام ولكنه يكتب لك عبادة عند الملك العلام حتى قال صلى الله عليه وسلم {الْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِهِ**[5]

فعندما يرفع اللقمة بيده ويدخلها في فم زوجته لتزيد المحبة بينهما فإن هذا يؤجر عليه من الله لماذا؟ لأنه يجلس على الطعام يستحضر نية طيبة في أكل هذا الطعام [فكل الأعمال نَـيَّة (نيئة) ولا تصلحها إلاّ نِـيَّة]

فنحن نأكل ولا ننتهي من الأكل لكن من الذي يثاب على الأكل؟ من يستحضر النية عند الطعام؟ وما النية التي يستحضرها ؟

1 - ينوى في فؤاده أن يتقوّى بهذا الطعام على طاعة الله

2 - وأن يتقوّى به على السعي على المعاش ليكف نفسه وزوجته عن سؤال الناس وعن الحاجة إلى الناس

3 - وينوى به أن يتقوّى به ليستطيع أن يؤدى به ما كلفه به الله نحو نفسه وزوجته وبنيه وجيرانه والمسلمين أجمعين 


[1] أخرجه الطبرانى فى الأوسط والبيهقى فى الشعب عن جابر رضى الله عنه [2] رواه البخارى عن أبى جحيفة رضى الله عنه [3] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حّبان والحاكم عن وحشى بن حرب [4] رواه ابن حّبان والبيهقى والضياء عن جابر [5] أخرجه البخارى ومسلم عن أبى موسى رضى الله عنه [6] رواه البخارى عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه 

http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...2&id=128&cat=2

منقول من كتاب [مائدة المسلم بين الدين والعلم]
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
[/QUOTE]